أثار قرار وزيرة المالية العراقية، طيف سامي، التوقف عن دفع رواتب موظفي إقليم كوردستان “لما يُشكّله ذلك من مخالفة لأحكام قانون الموازنة” سجالاً حادّاً، في وقت تكثَّفت فيه الاتصالات بين الولايات المتحدة ومسؤولي الإقليم، وصعَّدت واشنطن من الضغط على الحكومة الاتحادية.
وكانت وزيرة المالية الاتحادية قد وجَّهت، الأربعاء، كتاباً رسمياً إلى حكومة إقليم كوردستان تُبلغها فيه بأن الوزارة “يتعذَّر عليها” الاستمرار في تمويل الإقليم، بسبب تجاوزه الحصة المقرَّرة له ضمن قانون الموازنة الاتحادية، والبالغة نسبتها 12.67 في المائة.
وقالت الوزيرة إن تجاوز الإقليم حصته بمبلغ 13.5 تريليون دينار لا يسمح للوزارة بالاستمرار في التمويل.
وأضافت في كتابها حول تمويل شهر مايو (أيار) أن الإيرادات النفطية وغير النفطية للإقليم منذ عام 2023 وحتى أبريل (نيسان) من العام الحالي بلغت 19.9 تريليون دينار، لكنه سلَّم 598.5 مليار دينار إلى الحكومة الاتحادية.
ويجيء قرار وزارة المالية الاتحادية بوقف تمويل رواتب موظفي كوردستان في “توقيت قاتل”، إذ إن عيد الأضحى على الأبواب، ما أثار ردود فعل بالغة الحدة من مسؤولي الإقليم.
وفي أول ردٍّ رسمي على القرار، قال المتحدث باسم حكومة الإقليم، بيشوا هوراماني، إن المشكلات مع بغداد “ستُحل… والحقيقة ستنتصر”. وأضاف في تصريح صحافي: “الشعب الكوردي يواجه منذ عقود سياسة التجويع والإبادة… ومَن يتنازل عن ساحات الدفاع عن حقوق شعبه سيلعنه التاريخ”.
ومن المنتظر أن يعقد نواب من الإقليم اجتماعاً مع رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، لمناقشة التداعيات التي يمكن أن تترتب على قرار وزيرة المالية طيف سامي.
وأعلنت رئيسة كتلة الحزب “الديمقراطي الكوردستاني” في البرلمان العراقي، فيان صبري، أن الكتل الكوردستانية ستتقدم بمذكرة احتجاج رسمية إلى رئيس الوزراء اعتراضاً على عدم إرسال رواتب موظفي كوردستان.
وأضافت في تصريح صحافي: “لقد طالَبَت اللجنة المالية الوزيرة طيف سامي مراراً بتقديم جداول الإنفاق الفعلي للحكومة العراقية عن جميع أشهر هذا العام، لكنها حتى الآن لم تُسلّم سوى جدول شهر يناير (كانون الثاني). فكيف يمكنهم الادعاء بأن إقليم كوردستان يتلقّى أموالاً تفوق إنفاقه الفعلي دون وجود بيانات أو إحصائيات؟”.
وأكدت أن جميع الكتل الكوردستانية “تدرك تماماً أن حكومة إقليم كوردستان هي حكومة دستورية، وأن هناك اتفاقاً بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم يقضي بعدم ربط مسألة الرواتب بالخلافات أو التجاذبات السياسية”.
واختتمت بالقول: “المحكمة الاتحادية العليا كانت قد أكدت في قرار سابق أن رواتب موظفي إقليم كوردستان يجب أن تُستثنى من أي نزاع سياسي، وأن تُصرف في موعدها الشهري دون تأخير أو معوقات”.
وعلى صعيد العلاقات بين واشنطن وأربيل، أورد بيان من مكتب رئيس إقليم كوردستان، نيجيرفان بارزاني، أنه تلقّى اتصالاً هاتفياً من وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، ناقشا فيه أهمية استمرار التنسيق بين الجانبين لدعم الاستقرار والسلام في العراق والمنطقة بشكل عام.
وطبقاً للبيان، شكر روبيو رئيس إقليم كوردستان على جهوده في حل المشكلات القائمة بين الحكومة الاتحادية العراقية وحكومة كوردستان، مؤكداً أن دعم الولايات المتحدة للإقليم “مبدأ أساسي في العلاقة الاستراتيجية الأميركية مع العراق”.
وتأتي المكالمة بعد أيام قلائل من زيارة قام بها رئيس حكومة الإقليم، مسرور بارزاني، إلى الولايات المتحدة جرى خلالها توقيع عقود مع شركات نفطية أميركية تخص نفط كوردستان، الأمر الذي أثار غضب بغداد التي سارعت بالرد بقوة، داعيةً إلى الالتزام بالدستور الذي ينظم العلاقة النفطية بين بغداد وأربيل.
ويرى أستاذ السياسات العامة في جامعة بغداد، إحسان الشمري، أن الإدارة الأميركية تمارس حالياً “ضغوطاً قصوى” على الحكومة العراقية.
وأضاف: أن ضغوط واشنطن “باتت تأخذ أشكالاً مختلفة، فتارةً تقول إنهاء سلاح الميليشيات، وتارةً تقول إيقاف الهيمنة الإيرانية”.
وقال إن رفض تعاقدات بين شركات أميركية وإقليم كوردستان وعدم إرسال الرواتب إلى إقليم كردستان “أثار حفيظة الولايات المتحدة التي يمكن أن تعدَّها جزءاً من التأثيرات الإيرانية لتقويض الشراكة بين واشنطن وأربيل”. وتابع: “من الواضح أن أميركا وفق هذه التطورات أخذت من أربيل شريكاً اقتصادياً، وحتى أمنياً وسياسياً، أكبر من بغداد”.
ومضى قائلاً: “من الواضح أن الدعم الأميركي يتصاعد نحو أربيل وفقاً لاختلاف الأولويات، وهو ما يعكس من جانب آخر وجود خلل في العلاقة العراقية – الأميركية”.